صفقة شراء الطاقة الكهربائية من محطة شركة بيريزيم العائمة

صفقة شراء الطاقة الكهربائية من محطة شركة بيريزيم العائمة

مقدمة :

الفساد هو ظاهرة معقدة تؤثر على النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في جميع البلدان، تتسبب هذه الظاهرة في فساد المؤسسات وتعيق الأداء الفعال لها، مما يشكل أحد التحديات الكبيرة في النظام القانوني، كما يعد الفساد المالي والإداري من أبرز العوامل التي تعرقل عملية السلام وتفاقم النزاع المستمر في اليمن، حيث يتم استنزاف مليارات الدولارات من المال العام لصالح الفاسدين، الذين يشملهم كبار المسؤولين في الدولة.

وعلى الرغم من وجود أجهزة رقابية متعددة، فإن هذه الأجهزة تم تعطيلها عمداً من قبل جميع أطراف النزاع في اليمن، مما أدى إلى عجزها عن محاربة الفساد الذي تفشى بشكل ملحوظ في مختلف القطاعات.

وفي ظل هذه الظروف، أخذت مؤسسة النزاهة والشفافية على عاتقها مسؤولية التصدي للفساد بكل الوسائل القانونية المتاحة.

في هذا التقرير، نسلط الضوء على إحدى قضايا الفساد التي تصدينا لها في المؤسسة، والتي تمكنا من تحقيق نجاح فيها، لتضاف إلى سجلنا الحافل بالقضايا التي واجهنها، حيث حققنا في بعضها نتائج إيجابية ساهمت في محاربة الفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة.

أولًا: تفاصيل الصفقة المشبوهة

صدر عن رئيس الوزراء السابق، الدكتور معين عبدالملك، القرار الوزاري رقم (39) لسنة 2021، القاضي بشراء طاقة كهربائية لمحافظة عدن بقدرة تتراوح بين (120 – 150) ميجاوات من محطة توليد عائمة (سفينة أو باخرة). أثار هذا القرار العديد من التساؤلات والاعتراضات، أبرزها مذكرة نائب وزير الكهرباء والطاقة التي أكدت مخالفة القرار لقانون المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية رقم (23) لسنة 2007، إضافة إلى وجود شُبهات فساد وإهدار المال العام.

 

  • تفاصيل الدعوة للعروض:

شكل رئيس الوزراء ووزير الكهرباء لجنة برئاسة وكيل وزارة الكهرباء لدعوة سبع شركات لتقديم عروضها دون الإعلان عن مناقصة عامة كما يقتضي القانون. الشركات التي تمت دعوتها هي:

  1. مجموعة السعدي
  2. شركة بيلديم (BUILDUM)
  3. شركة نبتون (NAPTUNE)
  4. كار باور (KAR POWER INTERNATIONAL)
  5. شركة بيريزم (PIRSM)
  6. شركة ميدل إيست باور (MEP)
  7. مؤسسة العساف الدولية.

إن عدم الإعلان عن مناقصة عامة في وسائل الإعلام الرسمية يمثل مخالفة واضحة لقانون المناقصات ويثير الشبهات بشأن وجود صفقة مُوجهة لصالح شركة محددة.

  • عملية تحليل العروض:

كلفت اللجنة ذاتها، التي قامت بالدعوة لتقديم العروض، بدراسة وتحليل العروض المقدمة من الشركات السبع، وهو إجراء مخالف لقانون المناقصات الذي ينص على ضرورة تكليف جهة مستقلة ومحايدة لتحليل العروض لضمان الشفافية والنزاهة. هذا الإجراء يعزز المخاوف من تضارب المصالح وضعف الحوكمة في إدارة الصفقة. ضغط هنا

 

قامت اللجنة ايضاً بدعوة ثلاث شركات فقط لحضور الاجتماع التفاوضي في (2/6/2021)

  • تفاصيل العقد النهائي:

في 7 يونيو 2021، قام محافظ محافظة عدن، أحمد حامد لملس، بتوقيع اتفاقية مع شركة بيريزيم في ديوان عام المحافظة، تتضمن شراء 100 ميجاوات من الطاقة الكهربائية عبر محطة عائمة لمدة ثلاث سنوات، بتكلفة إجمالية بلغت 128056800 مائة وثمانية وعشرون مليون وستة وخمسين الف وثمان مائة دولار أمريكي. تضمنت الاتفاقية شروطًا إضافية، منها تحمل الحكومة تكاليف وقود الديزل مرتفع الثمن، وتوفير نفقات الصيانة الدورية لمحطة التوليد، بالإضافة إلى منح الشركة إعفاءات ضريبية وامتيازات أخرى.

ثانيًا: تعليق رئيسة مؤسسة النزاهة والشفافية على صفقة محطة الطاقة العائمة

نشرت رئيسة مؤسسة النزاهة والشفافية (يمنيات للنزاهة والشفافية سابقاً) على صفحة المؤسسة في منصة فيسبوك، عبر حسابها الشخصي، تقريرًا صادرًا عن اللجنة المكلفة من رئيس الوزراء ووزير الكهرباء لتحليل العروض المقدمة من الشركات المدعوة. وأكدت من خلال التقرير أن هذه الصفقة تعد صفقة فساد كبيرة هدفها الأساسي الاستيلاء على المال العام.

وأشارت إلى أن الصفقة خالفت قانون المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية، كما أوضحت أن الفروق بين العروض المقدمة كانت بسيطة للغاية، خاصة بين عرض شركة بيريزيم، المملوكة لناظم الصغير (الذي تربطه شراكة سابقة مع معين عبدالملك في صفقات تمت حينما كان وزيراً للأشغال العامة)، والعروض الأخرى. علاوة على ذلك، كان سعر الكيلووات الواحد مرتفعًا بشكل ملحوظ، حيث بلغ 4.25 دولار أمريكي، مقارنة بأسعار صفقات سابقة، بالإضافة إلى الامتيازات الإضافية التي حصلت عليها الشركة، مثل الإعفاءات الضريبية.

 

وأوضحت أن وزارة المالية رفضت تمويل الصفقة مرتين بمذكرتين رسميتين، الأولى بتاريخ 14 يوليو 2021، والثانية بتاريخ 28 مارس 2023، حيث تم توضيح حيثيات الرفض في كلتا المذكرتين بسبب المخالفات والفساد الذي شاب الصفقة.

كما تم إبلاغ الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بشأن هذه المخالفات لاتخاذ الإجراءات اللازمة ومحاسبة المتورطين.اضغط هنا

 

  • ملاحظات مؤسسة النزاهة والشفافية على الصفقة المشبوهة:

في إطار تقييم مؤسسة الشفافية والنزاهة لهذه الصفقة، تم ملاحظة عدة نقاط هامة تشكل خروقات قانونية وإدارية، والتي تساهم في تسليط الضوء على مخالفات صارخة في عملية التعاقد. وهذه هي أبرز الملاحظات التي تم رصدها:

  1. عدم الالتزام بالإجراءات القانونية المتمثلة في الإعلان عن مناقصة عامة وفقًا لقانون المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية.
  2. اقتصار الدعوة على سبع شركات دون فتح المجال أمام المنافسة العامة، مما يثير احتمال وجود صفقة موجهة لشركة محددة.
  3. تكليف اللجنة نفسها التي قامت بالدعوة بدراسة وتحليل العروض، في مخالفة واضحة لمتطلبات الاستقلالية والشفافية.
  4. تحميل الحكومة تكاليف عالية، مثل وقود الديزل والصيانة الدورية، إلى جانب منح إعفاءات ضريبية وامتيازات إضافية للشركة المتعاقدة.
  5. غياب الحوكمة الرشيدة في إدارة الصفقة، مما يعكس ضعفًا في التفاوض وحماية المال العام.

ثالثًا: نتائج جهود مؤسسة النزاهة والشفافية:

عملت مؤسسة النزاهة والشفافية على متابعة ملف صفقة محطة الطاقة العائمة منذ بداية الكشف عنها، من خلال التعاون مع الجهات الرقابية المختصة لمتابعة التحقيقات وتقديم التوصيات اللازمة. في هذا السياق، أصدر كلًا من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد تقارير تتعلق بالتحقيق في الصفقة وتوصيات بشأن الإجراءات المستقبلية.

  • تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة:

استجاب الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وأصدر تقريرًا بتاريخ 4 مايو 2023، وفيه أوصى بما يلي:

  1. ضرورة إلزام القائمين على إدارة قطاع الكهرباء والجهات ذات العلاقة بوضع استراتيجية شاملة ومزمنة، تهدف إلى استيعاب جميع المشاريع المرتبطة بتعزيز التوليد ونقل الطاقة. كما يجب التنسيق مع الجهات المختصة لتوفير التمويل اللازم لاستكمال المشاريع الحالية، مما سيسهم في تخفيف الأعباء المالية التي تتحملها الخزينة العامة للدولة سنويًا نتيجة لزيادة تكلفة شراء الطاقة. وأوصى التقرير بمساءلة القائمين على إدارة القطاع عن الخسائر المترتبة على ارتفاع أسعار محطة التحويل وخطوط النقل، حيث تم تحديد الفارق بين الأسعار المقدمة من الشركات المختلفة بمبلغ يتجاوز 10 ملايين دولار أمريكي، مقارنة بكلفة الإنتاج في المحطات التابعة للمؤسسة العامة للكهرباء.
  2. الدعوة إلى مساءلة القائمين على إدارة قطاع الكهرباء عن الخسائر الناتجة عن ارتفاع أسعار محطة التحويل وخطوط النقل مقارنة بأقل العروض المقدمة من الشركات الأخرى.
  3. تمكين قطاع الكهرباء من إنهاء العقود الحالية المتعلقة بشراء الطاقة عبر وقود الديزل، مما يساعد على تقليص الأعباء المالية المترتبة على تجديد هذه العقود.
  4. التأكيد على ضرورة الالتزام بأحكام القوانين واللوائح النافذة، بالإضافة إلى تطبيق قيم العدالة والإنصاف عند إبرام أي تعاقدات جديدة، لضمان تحقيق الكفاءة الاقتصادية في استغلال الموارد المتاحة.اضغط هنا

 

  • الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد:

في استجابة سريعة، أصدرت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد توجيهًا بتاريخ 9 أغسطس 2023، يقضي بإلغاء الصفقة المعنية، وذلك في إطار مكافحة الفساد وضمان الحفاظ على المال العام. اضغط هنا

 

رابعًا: توصيات مؤسسة النزاهة والشفافية:

وقد توصلت مؤسسة النزاهة والشفافية إلى جملة من التوصيات التي تهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة في قطاع الكهرباء والطاقة، وضمان استرداد الأموال العامة وحماية مصالح الشعب اليمني. وهي على النحو الآتي:

  1. إحالة المتسببين والمتورطين إلى العدالة:

التوصية بإحالة جميع الأشخاص المتورطين في عقد الصفقة إلى جهات تنفيذ القانون، بما في ذلك محاكمتهم عن أي تجاوزات قانونية أو فساد شاب عملية التعاقد. يجب تحميل هؤلاء المسؤولين كافة الخسائر المالية التي نتجت عن هذا العقد، ومطالبتهم بتعويض الخزينة العامة عن الأموال المهدرة، مع اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحقهم. هذه الأموال هي في النهاية أموال الشعب اليمني ويجب استعادتها بشكل كامل.

  1. مراجعة شاملة لجميع العقود المستقبلية:

ضرورة إجراء مراجعة شاملة لجميع العقود المستقبلية المتعلقة بقطاع الكهرباء والطاقة، بما في ذلك تلك التي تنطوي على شراء الطاقة من مصادر خارجية. يجب أن تكون هذه العقود خاضعة لأعلى معايير الشفافية والمساءلة، وأن يتم الإعلان عنها بشكل عام عبر وسائل الإعلام الرسمية وفقًا لقانون المناقصات والمزايدات لضمان عدم حدوث صفقات فساد مماثلة.

  1. إصلاح قطاع الكهرباء والطاقة:

ضرورة إصلاح قطاع الكهرباء والطاقة بشكل جذري لضمان استدامة الإنتاج والتوزيع وتوفير الطاقة بأسعار معقولة. يجب أن يتضمن الإصلاح تحسين آليات الشفافية والمساءلة داخل القطاع، إضافة إلى ضمان التعاون بين الجهات الحكومية المختلفة لتسريع تنفيذ المشاريع المتوقفة وتعزيز كفاءة الخدمات المقدمة للمواطنين.

  1. تعزيز دور الجهات الرقابية:

تعزيز دور الأجهزة الرقابية مثل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، وتزويدها بالصلاحيات اللازمة لمراقبة ومتابعة تنفيذ المشاريع الكبرى في مختلف القطاعات. يجب أن تتوافر آليات فعالة لرصد المخالفات المالية والإدارية واتخاذ التدابير المناسبة بشكل سريع.

  1. إلغاء الامتيازات غير المبررة:

إلغاء جميع الامتيازات غير المبررة التي تم منحها لشركات بعينها، مثل الإعفاءات الضريبية وغيرها من التسهيلات المالية، في إطار العقود التي تم توقيعها بدون رقابة أو عدالة. يجب أن يتم ذلك بناءً على مبدأ المساواة في الفرص بين الشركات، وتحقيق العدالة الاقتصادية في التعاقدات.

  1. مواصلة الجهود في مكافحة الفساد:

متابعة الإجراءات القانونية ضد الفساد في كافة المجالات، مع العمل على تطوير آليات للكشف المبكر عن الصفقات المشبوهة والحد من الفساد في جميع مرافق الدولة. يجب تشجيع ثقافة الشفافية والمحاسبة على كافة المستويات، سواء في القطاع العام أو الخاص.

  1. تحسين كفاءة الإنفاق العام:

التركيز على تحسين كفاءة الإنفاق العام في المشاريع الكبرى، خاصة في قطاع الطاقة، من خلال ضمان التقييم الدقيق والموضوعي للعروض المقدمة من الشركات. يجب أن تكون جميع العقود مبنية على معايير اقتصادية واضحة تتماشى مع مصلحة المواطن اليمني ومصلحة الاقتصاد الوطني.

 

وفي الأخير، تؤكد المؤسسة أنه في حال تم اتباع هذه التوصيات، يمكن إصلاح الخلل في قطاع الكهرباء والطاقة، مما يساهم في ضمان حماية المال العام، وتحقيق الشفافية والمساءلة في المستقبل، ويسهم في تعزيز الثقة بين المواطنين والجهات الحكومية.

 

1ـ إحالة كل المتسببين والمتورطين في عقد تلك الصفقة الى جهات انفاذ القانون ومحاكمتهم وتحميلهم كافة الخسائر التي تسببوا بها , واسترداد الأموال المنهوبة منهم كونها في محصلتها النهائية ملك للشعب اليمني .

 

 

ملاحظة :

تم تغيير اسم المؤسسة من يمنيات للنزاهة والشفافية الى مؤسسة النزاهة والشفافية

رابط قناة المؤسسة على التليجرام اضغط هنا